رسالة مواساة لمرضى وموتى كورونا
ذكر ابن الجوزي : أن رجلا ، مرض مرضاً شديداً ، فلما أوشك أن يموت ، كتب إلى أمه : يا أماه ، اصنعي طعاماً ، واجمعي من قدرت عليه، ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة ، ثم انظري هل وجدت لشيء قراراً باقياً ، و خيالاً دائماً ؟ ! إني قد علمت يقيناً ، أن الذي أذهبُ إليه خير من مكاني، قال : فلما وصل كتابه، صنعت طعاماً ، و جمعت الناس، و قالت : لا يأكل هذا من أصيب بمصيبة ، فلم يأكلوا !!! ،فعلمت ما أراد ، فقالت : من يبلغك عني أنك وعظتني فاتعظتُ، وعزيتني فتعزيتُ، فعليك السلام حياً و ميتاً .
والمرض والموت لابد منهما والبلاء عموما، لذا ذُكر الصبر في تسعين موضعا في القرآن
وصدق القائل :
ثمانية لابد للمرء منها
ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهَمٌّ ، واجتماع وفُرْقة
ويُسْر وعُسْر، ثم سقم وعافية
وللمرض وجوه متعددة من الفضل والخير :
فهو تكفير للخطايا :
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (وجع وألم)، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتّى الشّوكة يشاكها، إلّا كفّر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري .
تكفير الذنوب :
( ما من مسلمٍ يصيبُه أذًى من مرضٍ فما سواه ، إلا حطَّ اللهُ به سيئاتِه ، كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقَها ) .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصحابية أم العلاء في مرضها: ( أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة ) رواه أبو داود .
رفع الدرجات :
فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبَّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى ) رواه مسلم .
وكذلك يكتب للمريض أجر وثواب ما كان يفعله وهو صحيح مُعافى، قال ـ صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبدُ أو سافر، كتب اللهُ تعالى له من الأجرِ مثلَ ما كان يعملُ صحيحًا مُقيماً ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
فقال سبحانه وتعالى :
( لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ )
( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ )
( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِين )
( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة )
( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ )
وتعددت الأسباب والموت واحد , فقد نعى رجل أخاه حين هرب من الطاعون ولدغته حية فمات فقال :
طاف يبغي نجوة من هلاك فهلك
والمنايا رصد للفتى حيث سلك
ولعل أعظم مانواسي به المرضى والموتى :
فمن الذي يبشرُكم ( إنه الله)
ومن الذي يطمئنُكم( إنه الله )
ومن الذي يؤجرٌكم ( إنه الله )
من الذي قرر عليكم تلك المصائب ( إنه الله )
من الذي وعدكم بالصلاة والمغفرة والهداية إن صبرتم ( إنه الله )
ومن وعدكُم بمعيته ( إنه الله ) ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
ومن وعدكُم بمحبته ( إنه الله ) ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )
ومن الذي يبشرُكم ( إنه الله ) ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
ومن الذي بالثواب وعدكُم ( إنه الله )( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )
ومن الذي بالجنة وعدكُم ( إنه الله )( وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )
ومن الذي وعدكُم بالسلامة ( إنه الله )( سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ )
وتأملوا ماذا قال السلف عن الصبر :
◉ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، فإذا قطع الرأس باد الجسد ، ثم رفع صوته فقال : ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له"
◉ وعن شريح قال : "إني لأصاب بالمصيبة ، فأحمد الله عليها أربع مرات ، أحمده إذ لم تكن أعظم منها ، وأحمده إذ رزقني الصبر عليها، وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني" ((سير أعلام النبلاء)
◉ وعن أبي ميمون، قال: "إن للصبر شروطًا، فقيل له -: ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، لعلك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت، ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدتَ الله على ذلك وشكرت"
◉ وقال زياد بن عمرو: "كلنا نكره الموت وألم الجراح، ولكنا نتفاضل بالصبر"
◉ وقال زهير بن نعيم: "إنَّ هذا الأمر لا يتمُّ إلا بشيئين: الصبر واليقين، فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتمَّ، وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتمَّ، وقد ضرب لهما أبو الدرداء مثلًا فقال: مثل اليقين والصبر مثل فَدادين -( البقر الذي يحرث)
◉ ولابن الجوزي "دخلت على رجل مبتلى بالحجاز، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به، وأجد نِعَمه عليَّ أكثر من أن أحصيها، قلت: أتجد لما أنت فيه ألـمًا شديدًا؟ فبكى ثم قال: سلا بنفسي عن ألم ما بي ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير، قال: ثم غشي عليه فمكث مليًّا - ثم أفاق، فقال: إني لأحسب أنَّ لأهل الصبر غدًا في القيامة مقامًا شريفًا لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء، إلا ما كان من الرضا عن الله تعالى" (الصبر والثواب عليه) لابن أبي الدنيا
﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]
..............
فيديو :
الكاتبة : سناء الشاذلي