ضغوطات ماقبل الفرح
يقول سبحانه ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)
مابين فرح وحزن، وإبتلاء ومصيبة! وحال إلى حال أخرى. ومرض وصحة.. ومحبة وكُره وغنى وفقر، وأمان وفوضى، كتاب مَقدُور في لوح مَحفُوظ، كتاب مَقْدور رفعت فيه الأقلام وجَفت الصحف، كتاب من لدن حكيم عليم يعلم خفايا القدر وأسبابه ودَقائِقه التي تخفى على عقول البشر، قدر جاء بقدروتقدير ( وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) ( فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ )
فأسرار القدر لا يعلمها إلا الله غير أنَّا كبشر نحاول التكيف معه مع الإعتبار بما يقع من إبتلاء..
من ذلك الإبتلاء ما حدث بالأمس ١ _ ٣ _ ١٤٤٠
في إحدى قاعات الأفراح في إحدى المدن حيث سقطت أم العروسة على منصة الفرح وهي تحتضر فلم تزف العروس! ولم تأت الساعة السابعة حتى قُبضت روحها.. ولم يأت الظهر إلا وهي في قبرها بين يدي ربها سبحانه.. فتحولت من أم عَرُوس بثوبها الأنيق على منصة الفرح، في غضون ساعات إلى عَرُوس بكفنها على خشبة الغسل! ثم على نعشها تزفها الملائكة بإذن الله إلى قبرها
فمن ثوب زفافها إلى ثوب كَفَنُها
ومن منَصة الفرح إلى خشبة الغسل
وهكذا هو الموت
لا يستأذن
لا يتأخر
لا يتقدم
بل يأت بغتة ونحن لا نشعر
يأت لينذرنا نحن الأحياء
بأن نكون على إستعداد وحذر وترقب فالموت أقرب إلى أحدنا من شراك نعله بل من طرفة عينه، ورمشة رِمْشِه
خاصة في زماننا الذي كثر فيه موت الفجأة.. والذي هو من علامات الساعه وقد إستعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم لأن صاحبه لا يستطيع أن يزيد من إحسانه إن كان محسنا ولا يستطيع أن يتوب إن كان مسيئا.. ولا يوصي، ولا يتسامح، ولا يودع إنه الموت الذي قال عنه إبي الدرداء رضي الله عنه وهو يرى الجنائز إغدي فإنا غادون
الموت الذي يصفه الله سبحانه وتعالى :
( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ )
( مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ )
الموت الحاضر الغائب القريب الأقرب، المخيف المحزن، مفرق الأحبة وهادم المتعة،
الموت الذي تناساه كثير منا وهو يرى
النائم والواقف والمسافر والمخاصم والراقص والمغني والقارئ والساجد والصغير والكبير والمسلم والكافر كلهم يموتون فجأة في وقت ماتت فيه قلوب كثيره غفلة عن الموت الذي لا يقهر( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ )
ومااستطاع قريب وبعيد وطبيب أن يعيد الميت أو يصرف عنه سكرات الموت ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )
وهيهات هيهات أن يقهر أحد الموت أو يعيد روح حبيبه
آه ثم آه من موت يُجَهِز أهل الميت جسد ميتهم والملائكة تجهز روحه ثم تقول { وَقِيلَ مَنْ راقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (30) }
آه من موت يتمنى فيه الإنسان تأخير قبض روحه لساعات ليعيد فيها حسابات كثيرة.. واسألو إن شئتم أولئك المرضى على الأسرة كم يتمنون ساعة واحدة لصحتهم التي أفقدتهم أعمال جليله
ومابين القدر والموت عبر كثيره .. كالإستعداد.. والدعاء.. والرجاء.. والخوف.. والترقب.. والتعلق بالله فهو الباقي ومادونه زوال
ومابين الموت والقدر موت آخر غفل عنه كثير من الناس
إنه موت المشاعر، وموت القلوب، وموت الرحمة، وموت الفرحة،
وبعيدا عن تفاصيل موت أم العَرُوس على منصة الفرح حيث أني لا أعرفها ولا أخوض فيما لا علم لي به دعوني ألقي على مسامِعكم خواطر أيقظتها في نفسي تلك الفاجعة منها..
_ أن الفرح الشديد الذي يخرج صاحبه عن الإتزان قد يودي بحياته ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) ليس المقصود به الفرح المعتدل بل الفرح المفرط وينطبق هذا على الحزن المفرط أيضا
منها أيضا.. ضغوطات ماقبل الفرح، والمناسبات
_ فالفرح سابقا كان غير مكلف والأهل والجيران والبعيد والقريب يساهم فيه ماديا ومعنويا هذا بوقفته وهذا بكلمته وهذا بعطاءه وهذا بإظهار فرحته
_ واليوم وما أصعب اليوم قلة من تؤازر وتساند وتفرح وتعطي وتهدي بل أصبحت المخاصمات قبل المناسبات! هذا غير التكاليف التي أثقلت كاهل الطرفين سبب في الضغوطات والتي قد تسبب الإكتئاب وربما إنعدام الفرحة وربما الموت المفاجى وربما الموت البطيئ
وهذا يشهده الواقع
_ فكم وقع الطلاق والعَروس مازالت في منصتها بسبب الخصام على تجهيزات الفرح ومواعيد الزفة، والتصوير، وكم خرج أهل العَروس وأهل العروسه متقاطعين لأسباب صغيرة يمكن تداركها! وكم حضر بعض الأهل والأرحام وكأنهم يحضرون عزاء لا فرح يشاركون فيه الأحبة مما يزيد من الضغوطات
_ وكم يحضر أهل فرح لإتمام فرحهم ووراءهم مصيبة يخفونها لكي يتم الفرح فيجدوا من يتناحر معهم ويئنبهم.. ويلومهم.. وينتقدهم في كل شيء.. حتى فيما قدموه من ضيافة أليست هذه ضغوطات على أهل الفرح
_ لماذا يقسو الناس على بعضهم لماذا نزعت الرحمه من قلوبهم؟ لماذا التصادم والإختصام في مناسبات يفترض أن تكون جميلة أليس هذا من عمل أيديهم ولا أعمم؟
_ لماذا لا يستوعبوا أن الضغوط تسبب آلام نفسية وعضوية على المدى القريب والبعيد؟ من كآبة وقلق، وأرق وعصبية، وتشويش وعدم تركيز، وآلام عضلات وصداع وإضطراب معوي، وغير ذلك لماذا تناسوا( رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ )
_ وأختم حديثي بتذكير نفسي وإياكم بأن الموت يخطفنا خطفا سريعا ونحن مازلنا مصرين على أخطاءنا.. وعتابنا، وزعلنا من أحبابنا، وقطعنا لأرحامنا، وتقصيرنا مع ربنا،
رحم الله أم العَروس وأسكنها فسيح جناته فكم من ميت في مكان فرح قلبه معلق برب العرش. وكم من ميت في مكان عبادة وقلبه معلق بالدنيا
_ وذلك الأب في آخر صورة ألتُقطت له مع ولدَيه ليلة زفافهما، والبسمة تملأ وجهه وقد نقل إلى المشفى ولمَا ينتهي الفرح بعد وقد علمت أم العرِيسين بموته فأكملت الفرح ورقصت وتراقصت دموعها في عينها وهي تنظر للأرض مخافة أن يكتشف موت الأب ثم أنتهى الفرح وأعلنت موته وقالت : وإنا لله وإنا إليه راجعون
رحمهم الله وأسكنهم جنات الخلد وجمعهم مع النبيين وحسن أولئك رفيقا.. واللهم لا تحملنا ما لا طاقة لنا به
ومضة..
قال عبدالله بن عمر رضي الله عنه :
" إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترحٍ لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبى، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي "
رحم الله ارواحا كانت تفرح وفرحت معنا وارواحنا كانت تحزن فحزنا لفقدها اللهم اجعلهم من المبشرين الفرحين وعلى سرر متقابلين في جناتك جنات النعيم
ردحذفرائعه أستاذتي الله يوفقنا وإياكم لعمل الخير
ردحذف