الحظر بين التضجر والصبر الأنبياء نموذجا
هيا بنا نُسبر غَور أعماق التاريخ الضارب في القِدم لأبعد نقطة تاريخيه نستلهم منه عبرا إنسانيه لإنسان يعشق الحريه فأجبرته الظروف وقبلها الأوامر القَدريه لقلب حياته الطبيعيه ليتقبلها بنفس رضيه ذلك هو الانسان في تقلبات السنن الكونيه
آدم خرج من جنة كان لايجوع فيها ولايشقى ولايظمأ ولايضحى إلى أرض فيها كل ماسبق فرضي وصبر وتكيف مع حياته الجديده , وكان آدم عليه السلام أول نموذج إنساني تكيف مع وضعه الجديد وإن كان هو السبب فيما آلت إليه الأمور..غير أنه لم يتضجر ولم يتملل.. ذلك هو أبونا آدم عليه السلام وزوجته حواء..خرجا بعدما عصيا الله وأطاعا الشيطان
( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ) وكانت النتيجه ( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ) فكان خروجا جذريا من جنة لايشقى فيها إلى أرض يشقى فيها.. فصبر ولم يتضجر
وإليكم نموذجا آخر لنبي من أولي العزم من الرسل لم يخرج من أرض لأرض بل من أرض ترابيه لأرض خشبيه ذات ألواح ودسر..من أرض إلى سفينة تجري على موج من بحور كالجبال , لقد خرج نوح من أرض فسيحة إلى سفينة مع قلة من الناس , قد يظن أحدنا أن هذا كرب عظيم وبأس شديد بحيث يخرج تاركا بيته وأرضه تموج به السفينة وهو كرب بلا شك وإلا ماقال الله له ( فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) لكنه الفرج في صورة الكرب والنجاة من عمق الهلاك ( فأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ )
وتسوقنا أحداث التاريخ إلى أبعاد أخرى إلى نبي من أقرب الأنبياء إلى الله إلى خليله إبراهيم لنتيقن أن خلف البلاء رفعة ومنحة وفرج وهو من أعلن خروجه قائلا ( وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وتنقل في هجرته من أرض بابل بالعراق إلى بلاد الشام ؛ ثم مصر وغير تنقله لإعادة بناء البيت , لم يترك أرضا واحدة وبلدا واحدا بل بلدان عدة محتسبا راضيا متكيفا لا متململا ولا مضجرا ومع ظروفه متكيفا
وهاهنا نموذج آخر لنبي خرج من أرض ثابته يانعه ومن بين أهله وأحبابه ليس إلى أرض يابسة ثابتة وليس على سفينة خشبية تجري على موج كأخيه نوح بل على أرض رخوة لينة غير ثابته أديمها لحم ودم لقد استقر ببطن الحوت ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ) وقال تعالى في سورة الصافات: ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ) فماذا بعد الضيق والغربه والكرب..عاد بعدها إلى أرضه وقد نجاه الله من الغم منتقلا من حال إلى حال ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وهي بشارة لك صابر من أهل البلاء بالنجاة بأن نعمة الله ستدركه لامحالة ويُحول الله حاله لأحسن حال وهذا لا يكون إلا بالصبرعلى ألم المنع من ذلك ما نحن فيه من الحظر في البيوت ( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ )
وأليكم نموذج عظيم لإنسان إصطفاه الله وابتلاه فصبر حتى بلغ الحمد منتهاه إنه كليم الله خرج من بين أهله خائفا فزعا مترقبا خرج من عند أكبر وأسوء طاغيه ولم يمرعلى التاريخ طاغية مثله وقد كان يرقب قتله ويقتفي أثره إنه فرعون وماأدراك ما فرعون ففر موسى وهو لايدري أي أرض ستقِله وأي مأوى سيضُمه وأي حماية تحميه لا أهل لا مال لا بيت
وتأمل كيف خرج ( فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) وبعدما تكيف واستقر بأرض مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ ) هناك في أرض مدين صارت له أرض ومال وأهل وتجارة أنه الظفر بعد الصبر أنه الرضا دون تململل وسخط وتمر الأيام ليعود لأرضه مصر لأناسه لأخوانه لكل شي جميل إلا فرعون الذي هدده بعد الذي هدده بعد عودته لمصر ودعوته للإيمان بالله ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ ) فقال ( لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ) وتتوالى الأحداث ليوحي الله له بالخروج مرة أخرى من أرضه التي أحبها مصر ( وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ) وينشق له البحر ليفر لأرض الشام هذه ابتلاءات متنوعه لألم الفقد ومرارة الحرمان فما عسانا نفعل نحن الذين لم نبلغ بلاءهم وإنما نقتفي أثرهم في الصبر على البلاء
وهاهنا نموذجا لإنسان تنقل في أراض عدة من كنف بيت أبيه الى البئر الى الأسر إلى القصر، فكيف وصل للقصر؟ وصل عبر رحلة محفوفة بالمخاطر اجتمع الأخوة على إبعاده ( فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ ) وباعوه بثمن بخس ( وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ ) وذاق مرارة الحرمان من أبيه وأسرته وأرضه ثم يبتلى ببلاء آخر حين عرضت زوجة عزيز مصر عليه الفاحشه ولما رفض سجنته ( ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ) وبعد مرارة السجن يتذوق حلاوة الحرية مع السياده حين أختاره الملك ليكون عزيز مصر ( إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ) أبعد هذا البلاء نتضجر من الإبتلاء ببقاءنا بالبيوت وهو أمر لصالحنا !!
وإليكم أعظم صابر على البلاء وتقلب الأحوال محمد صلى الله عليه وسلم سيد الصابرين كيف خرج من مكة للطائف ثم بقي محصورا في شعب أبي طالب ثم تهيأت الظروف وهاجر للمدينة , أتحسب أن بمقدور أي إنسان مفارقة أرضه وأهله وحياته , لكنه الصبر على البلاء وعدم السخط والجزع في أبهى صوره
عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَدِيِّ ابْنِ الْحَمْرَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ: وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَه
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَكَّةَ: مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
....
تلك الحقبة الزمنية ومافيها من ابتلاءات تعيد لقلوبنا الحياة وأهمية الصبر واستشعار النعم ومقارنة بلاءنا مع بلاء غيرنا وأن لانحكم أن هذا البلاء عقوبة بل قد يكون مابين عقوبة تقصيرنا وبين إختبار قوة صبرنا وأن بقاءنا في البيوت خير لنا لا شر لنا ( لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) وأن حرص كل الدول وعلى رأسها مملكتنا الحبيبة على أرواحنا وصحتنا وأمننا ليدل على حنكتهم وتميزهم في إدارة الأزمات
إصبروا فسيكون هذا البلاء ذكرى