* نكبة الجوع
يذكر المؤرخ والأديب عزيز ضياء الذي عاصر حصار المدينه بعد الحرب العالمية الأولى في مذكراته :
«عرفت الجوع.. الجوع الذي يمزق الأمعاء، الجوع الذي جعل وجبة الخبز الأسود أشهى وألذ وجبة تذوقتها حتى اليوم.. الجوع الذي كبرت فقرأت عنه قصصا وأساطير راعني أنني عشتها حقائق.. الجوع الذي يجعل المرء حين يمشي في الشارع أو الزقاق لا ينظر إلى ما حوله أو أمامه وإنما ينظر إلى الأرض وحدها. حيث يتحرى العثور على كسرة خبز أو حبة فاكهة أو عظمة »
«لقد جاع أهل المدينة الذين هجروا إلى سوريا وتركيا وغيرها.. جاعوا بل ومات الكثيرون منهم جوعا.. لكن القوات نفسها جاعت في النهاية أيضا.. ذلك الجوع الذي جعلهم يأكلون لحوم الخيل والبغال والحمير التي تنفق من الجوع..
.. بل ويأكلون لحوم القطط والكلاب.. ولا أستبعد صحة أخبار قالت إن بعض الجياع قد أكلوا لحوم أطفالهم» (ج1، ص 163).
تعمدت ذكر نكبة الجوع..لأذكر أولئك الذين يُسرفُون وهم يَظُنون أنهم يُنفقون..ويَحسَبون أنهم يُحسنون صنعا .. لأذكر بالإسراف عامة في كل مناسبه وشاردة ووارده .. ولأذكر بإسراف مقيت إهدار الأموال وفرط بالنعم والتي من وجهة نظري انقلبت إلى نقم ..
فدوام النعم بالشكر والإنفاق المعتدل
وزوالها بالتباهي والمفاخره والتبذير المفرط
وهو عين مانراه من سفر تمتد في ساحات الحرم خاصة وساحات المساجد في كل مكان عامة فتحولت من كرم لإسراف وإستخفاف بالنعمه وإهمال ولامبالاة لدرجة إلقاءها شبه كامله في المزابل..وأحيانا لف السفره بما فيها من لبن ومياه وخبز كما هي بحجة إقامة الصلاه..هذا غير مايُوقعه هذا الإسراف في نفوس الكثير من شره وبِطنَه ، وعين لا تشبع تقول هل من مزيد هل من مزيد؟ ..وغير الإقتتال والخصامات والمنازعات من أجل الحصول على مزيد من الطعام لتعبية الأكياس
فتفاقمت تلك المشاكل.. وسببت حرج للزوار والمصلين عموما..فضلا عما سببته من فوضى عارمه لدرجة دهس النعمه بالأقدام..وماتسببه من روائح وماينجم عن ذلك من انتشار للحشرات والذباب والفئران !!
إن الكرم وإفطار الصائم مطلوب ويؤجر عليه صاحبه..أما طريقة الإطعام فمرفوضه بحيث أصبحت الساحات في سباق محموم لعرض أكبر كميه للأطعمه في وقت تفتقر فيه بيوت كثيره متعففه تقبع خلف أسوار البيوت والأربطه والأوقاف بلا طعام يكفيها والسبب الإفراط والتفريط وعدم الموازنه بسبب العاطفه الدينيه الغير منضبطه...
(اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك )
فطوفوا على بيوت المحتاجين والمتعففين بدل الإسراف في سفر ترمى أو تداس
إن شكر النعمه لايكون إلا بحفظها من التبذير والإسراف
وقد روي عن علي رضي الله عنه قوله:
"إِنَّ النِّعْمَةَ موصولة بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ متعلق بِالْمَزِيدِ، وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ، فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللَّهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ"
ولم يتأمل المسرفين بهذا
{كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وأن الله أمرنا بالزينه والتجمل والأكل بلا إسراف {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (31) سورة الأعراف.
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ ولا مخيله )
وقال تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).
وقال عز وجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29).
ماترك رسولكم في الطب شيئا
وصدق الله ( إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ) لأنهم اشتركوا معه في معصية الله
وأختم بكلمات
دبِّر العيش بالقليل ليبقى
فبقاء القليل بالتدبيرِ
لا تبذرْ وإن ملكتَ كثيرًا
فزوالُ الكثير بالتبذيرِ
وقال الشافعي :
ثلاثُ هنَّ مهلكة الأنام
وداعيةُ الصحيح إلى السقامِ
دوامُ مدامةٍ ودوام وطءٍ
وإدخال الطعام على الطعامِ
وقال آخر :
ثلاثةٌ فيهنَّ للمُلكِ التلفْ
الظلمُ والإهمال والسرف
سناء الشاذلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملاحظة : سيتم النشر عند الموافقة على التعليق