أعمال عشر في الليال العشر
مع كل عام يبدأ فجر جديد لحياة جديده مع بداية ليال عشر
هي أعظم أيام الدنيا فمن يعظمها ويعرف قدرها كان تقيا
( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ومن يتهاون بها ويتمرد على طاعة الله تحمل وزرا وإثما عظيما
والمتأمل ببداية سورة الفجر يدرك الفرق بين الحالتين
ففي البداية قال تعالى :
( وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) )
ثم أعقبها بقوله تعالى :
( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )
وبين الحالتين قال تعالى ( هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ )
والحجر العقل فمن أعمل عقله حتما سيستغل هذه الليال العشر ويجاهد ليكون من الطائعين الفائزين ويتحرز من أن يكون من الفاسدين المتمردين
ولنبدأ بالأقسام
أقسم الله بخمسة أقسام :
🔹 ( وَالْفَجْرِ ) الفجر الذي يبتدأ به النهار وأهمية صلاة الفجر وكذلك يوحي القسم بأن لكل شيء فجرا تنبثق منه الحياة، وأن حياة المرء بمحافظته على الفجر ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ ) فمن حفظ أول يومه بصلاة الفجر كان لباقي يومه أحفظ، وفيه دلالة على أن حياة جديده ستبدأ مع الليال العشر
🔹 ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) وهذا القسم الثاني فقبل الفجر ليل ومعلوم مالقيام الليل من فضل بشكل عام وخص هذه اليال العشر من ذي الحجة لمزيد فضل
🔹 ( وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ ) وهي أيضا تخص الصلاة وإن كان للمفسرين أقوال منها أن الشفع يوم مزدلفه والوتر يوم عرفه إلا أن ذكرهما يوحي بأهمية الصلاتين
🔹( وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ) أي أقبل أو ذهب والقسم به لايخرج أيضا عن الصلاة والأعمال الصالحه عموما وإن كان للمفسرين قولا راجحا بأن المقصود ليلة مزدلفه فهي ليلة تجمع أعظم العبادات
بعد الأقسام الخمسه السابقه ومافيها من تحفيز وتنوع للطاعات وعلى رأسها الصلاة ومافيها من ذكر أهمية الليال العشر تنتقل الآيات كما قلت آنفا لذكر المتمردين والمتهاونين بعد ذكر الطائعين ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ) فذكر عاد وثمود وفرعون وكل من صار على دربهم فالله لهم بالمرصاد وإن طال ليل الظالمين فلابد من فجر جديد ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ )
بعد تلك الأقسام ولا يقسم الله إلا بعظيم لنتنبه ونستعد ونعمل ندرك قسمٌه سبحانه بالليال العشر
قال ابن حجر: "والذي يَظهر أنَّ السَّبب بامتياز عشر ذي الحجة؛ لمكان اجتماع أمَّهات العِبادة فيه، وهي: الصَّلاة، والصِّيام، والصَّدقة، والحجُّ، ولا يتأتَّى ذلك في غيره
لذا أنتقل بكم لعشر فضائل تعمل بها في العشر الليال/ هذا الجزء منقول من موقع الألوكه
وقد أرشدَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم إلى عددٍ من الوظائف التي يَنبغي على المسلم أن يقوم بها، وهي :
1- الإكثار من الأعمال الصالحة :
فعن ابن عبَّاس قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسُولَ الله، ولا الجِهادُ في سبيل الله؟! قال: ولا الجِهادُ في سبيل الله، إلاَّ رجُلٌ خرج بنفسه ومالِه ثُمَّ لم يَرجع من ذلك بشيء)) رواه البخاري.
2- المحافظة على صلاة الفجر في جماعة، والذِّكر بعدها حتى تطلع الشمس وصلاة الضحى :
فعن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى الغداةَ في جماعةٍ ثُمَّ قعد يذكرُ اللهَ حتى تطلُع الشَّمسُ ثُمَّ صلَّى ركعتين، كانت له كأجر حجَّةٍ وعُمرة)) قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((تامَّةٍ تامَّةٍ تامَّةٍ))؛ أخرجه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
3- المحافظة على صيام الأيام العَشر وهي :
مستحبَّة استحبابًا شديدًا؛ كما قال الإمام النَّووي، لأنَّها من الأعمال الصالحات؛ ففي مسند أحمد: (( لم يكُن يدَع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: صيامَ عاشُوراء، والعشر، وثلاثة أيَّامٍ من كُلِّ شهرٍ ))
4- صيام يوم عرفة لغير الحاجِّ :
عن أبي قتادة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( صيامُ يوم عرَفة، إنِّي أَحتسبُ على الله أن يُكفِّر السَّنةَ التي قبلَه والسَّنة التي بعده )) رواه مسلم.
5- المحافظة على قيام ليالي العشر :
وقد أقسم الله بهنَّ إذ قال: ﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، قال ابن كثير: المراد بها عَشر ذي الحجَّة.
6- الإكثار من الذِّكر والاستغفار والتكبير :
• امتثالاً لقول الله تعالى: ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ﴾ قال ابن عباس: أيَّام العشر؛ يعني: عَشر ذي الحجَّة، مع يوم عرَفَة والعيد.
• وعن ابن عبَّاسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( ما من أيَّامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العملُ فيهنَّ من أيام العشر؛ فأكثروا فيهنَّ التَّسبيح والتَّكبير )).
7- الإكثار من التكبير :
• عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( ما أهلَّ مُهلٌّ قطُّ، ولا كبَّر مُكبِّرٌ قطُّ، إلاَّ بُشِّر، قيل: يا رسولَ الله بالجنَّة؟ قال: نعم )) وقال المنذري: إسناده رجال الصَّحيح.
• وعن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: (( ما من أيَّامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه العمل فيهنَّ من هذه الأيَّام العشر؛ فأكثرُوا فيهنَّ من التَّهليل والتَّكبير والتَّحميد ))؛ قال ابن حجر في "الأمالي المطلقة (ص14)": "هذا حديث حسن".
• "وقد كان ابن عمر وأبو هريرة يَخرجان إلى السُّوق في أيَّام العشر يكبِّران ويكبِّر الناس بتكبيرهما"؛ أخرجه البخاريُّ تعليقًا بصيغة الجزم، وأخرجه موصولاً الفاكهيُّ في أخبار مكَّة.
• وقال ابنُ رجب في فتح الباري " قال: رأيتُ سعيد بن جبير وعبدالرحمن بن أبي ليلى ومجاهدًا - أو اثنين من هؤلاء الثلاثة - ومَن رَأينا من فقهاء النَّاس يقولون في أيَّام العشر: "الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد".
• وروى المروزيُّ، عن ميمون بن مهران، قال: "أدركتُ الناس وإنَّهم ليكبِّرون في العشر...".
8- الأضحية :
• وهي سنَّة مؤكَّدة، قال ابن قُدامة في المغني: "أجمع المسلمون على مشروعيَّة الأضحية؛ اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام، واتِّباعًا لسنَّة نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم".
• عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وأن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسا" أخرجه الترمذي في جامعه برقم: (1493) وقال: حديث حسن.
• عن زيد بن أرقم قال: قال أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسُولَ الله، ما هذه الأضاحي؟
قال: ((سُنَّةُ أبيكُم إبراهيم)).
قالوا: فما لنا فيها يا رسُولَ الله؟
قال: ((بكُلِّ شعرةٍ حسنة)).
قالوا: فالصُّوفُ يا رسُولَ الله؟
قال: ((بكُلِّ شعرةٍ من الصُّوف حسنة))؛ أخرجه ابن ماجه.
• ووقتها من بَعد صلاة العيد يوم النَّحر إلى غروب الشَّمس من آخر يومٍ من أيام التَّشريق، ويجوز الذَّبح ليلاً ونهارًا.
9- إذا أردتَ أن تضحِّي فامتنِع عن أخذ شيء من شَعرك وأظفارك :
فعن أمِّ سلَمة ترفعُه قالَت: قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل العشرُ وعنده أُضحيَّة يُريدُ أن يُضحِّي فلا يأخُذنَّ شعرًا ولا يقلمنَّ ظُفُرًا))؛ أخرجه مسلم.
10- حال السلَف في العشر من ذي الحجة :
• كان سعيد بن جُبير إذا دخلَت أيَّام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا حتى ما يَكاد يَقدر عليه؛ سنن الدارمي (2/ 41).
• وعنه قال: "لا تُطفئوا سُرجكم ليالي العشر".
• ويقول: "يقِّظوا خدمَكم يتسحَّرون لصوم يوم عرَفة"؛ سير أعلام النبلاء (4/ 326).
• وعن الحسَن البصري أنَّه قال: "صيام يَومٍ من العشر يعدِل شهرين"؛ الدر المنثور (ج 8/ 501).
وكان السَّلَف ينوِّعون من العبادات في عشر ذي الحجة :
• فقد قال عمر بن الخطاب: "لا بأس بِقضاء رمضان في العشر".
• وكان الحسَن البصري يَكره أن يتطوَّع بصيامٍ وعليه قضاء من رمضان إلاَّ العشر.
• وعن أبي معن قال: رأيتُ جابر بن زيد وأبا العالية اعتمرا في العشر.
• وكان الحافظ ابن عساكر يَعتكف في شهر رمضان، وعشر ذي الحجة