تفَرقُوا أيدِي سبأ ، تقَربُوا أيدِي شُكر
سأبدأ بما بدأت به سورة سبأ
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الخَبِيْرُ)
نعم الحمدلله إنتهى رمضان وجاءتنا البشائر بعودة المساجد الحمدلله آمنين مطمئنين لا جائعين ولا مشردين الحمدلله الذي آمن روعاتنا وستر عوراتنا وحفظ أعراضنا وآمننا من خوف وأطعمنا من غير جوع..
الحمدلله له الحمد المطلق في الدنيا وله الحمد وحده في الآخرة
الحمدلله سخر لنا ولاة أمرنا بكل مجهوداتهم لحفظنا من كل مكروه
ونسأل الله الذي لايحمد على مكروه سواه أن يعوض المبتلين ومن فقدوا أحبتهم خيرا
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً ...
عليَّ له في مثلها يجبُ الشكرُ..
فكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفضلِهِ ...
وإن طالتِ الأيامُ واتسعَ العُمرُ
إذا مسَّ بالنعماء عمَّ سرورُها
وإن مسَّ بالضراء أعقبها الأجرُ
ومامنهما إلا له فيه مِنةٌ
تضيقُ بها الأوهامُ والبرُ والبحر
وقال أبو تمام:
وليس يَعرف طيبَ الوصل صاحبهُ ...
حتى يُصاب بنأي أو بِهجران
وقال أيضا :
والحادثات وإن أصابك بؤسُها ...
فهو الذي أنباك كيف نعيمُها
وقد أحسن أبي تمام فما شعرنا بأهمية الوصال إلا بعدما تباعدنا وماشعرنا بالبؤس إلا وتخللته النعمة
وبعد حمد الله
إحترت بماذا أعنون مقالتي :
قرِب بين أهلنا وأسفارنا
تقربوا أيدي شكر
تفرقوا أيدي سبأ
فجميعها تدور في محور واحد شكر الله سبحانه وبالشكر المرتبط بالطاعة تدوم النعم وبكفر النعم المرتبط بالمعصية والمجاهرة بها تنزل النقم , لذا سأذكر إختصارا ثلاث قصص في سورة سبأ وبيان الحكمة بإفتتاحيتها بالحمد وبيان قصة المثل المعروف بين العرب ( ذهبوا أيدي سبأ )
فبين أيدينا نموذج لشكر النعمة مع طاعة الله وأعظمها التوحيد .. ونموذجين لكفرها مع المعاصي وبطر النعمة وأعظمها الشرك بالله والشركيات المندرجه تحته
وسأبدأ بما بدأ به ربنا سبحانه وتعالى
داود وسليمان عليهما السلام أعطاهما الله الملك وسخر لهما الريح والانس والجن والطير وفهم لغة الحيوانات وألآن لهما الحديد وعلمهما صناعة الدروع والمحاريب والجفان وكثير من النعم والمتأمل يجد في زماننا أن أغلب ماسخر الله لهما سخره لنا مع الفارق ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ) وكيف سخر الجن لهما يعملون لهما مايشاءا ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ ) فكيف قابلا النعمه ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) قابلاها بالشكر والشكر يكون بالقلب والجوارح والعمل لذا قال سبحانه إعملوا
فمن أعطاه الله نعمة البصر يشكرها بحفظها عن الحرام وقس على ذلك كيفية شكر النعمه , ولأن الحامدون باللسان كثير قال قليل من عبادي الشكور , فليس كل أحد يستطيع شكر النعمة
....
ولننتقل للنموذج الآخر وهو يعقب ذكر نعمة داود وسليمان عليهما السلام لبيان الفرق بنتيجة كفر وشكر النعمه :
قوم سبأ أعطاهم الله نعمتين عظمتين موجودة عند كثير من الناس نعمة المال والأمن والثمار ، ونعمة اجتماع الأهل وقرب الأسفار ولفهم الموضوع سأسمي هذه الفقرة ( بذهبوا أيدي سبأ )
فما قصة سبأ
هي بلدة موجودة باليمن بمأرب وصف الله أشجارها وأمطارها ونعيمها وسدها وهوائها فقال سبحانه ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) لدرجة أن البعوض والحشرات لاتعيش بها والمرأة تخرج لقطف الثمار فتتساقط الثمار في زنبيلها لنضج الثمار وبها من الأمطار ماجعل ملوكها يبنون سدا من ثلاث طوابق لحصر مياه الأمطار لتسقى بها جنانهم التي أينما أداروا وجههم تمتعوا بها يمينا ويسارا وفوق تلك النعم بشرهم الله على لسان رسلهم بأن الله يغفر لهم إن عبدوه ولم يعصوه وشكروه مع شرط تذكرهم بأن ماهم فيه من الله فقال ( كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ ) فهذا الأكل السهل التناول لابد أن لاينسيكم أنه بفضل رزق الله ..
فماذا فعلوا ؟؟
أعرضوا
( فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ )
وتأملوا كلمة ( أعرضوا ) ومن يتأمل بهذه الكلمه فقط يدرك أن الإعراض يكون بالكفر والشرك والإعراض يكون بالمجاهرة والمعاصي والإعراض يكون بكفر النعمة والذي به تنزل النقمة فكانت النتيجة عكس دوام النعمة على داود وسليمان فقد أبدلها الله ونسأل الله أن يبدل أحوالنا دائما للخير والشكر فبدل الله خير الثمار وبركتها إلى أسوء الثمار وأقلها نفعا
بسبب سيل العرم الذي يدل على العرامة أي الشدة
والخمط الأكل المر
والأثل شجر من شجار الصحراء
وشي من سدر قليل
وكان السبب كما قيل جرز قضم حبال سدهم فأنهد عليهم هدا وتفرقوا بعده في البلاد وضرب بهم المثل فيمن بدلوا نعمة الله بمعاصيهم بوارا وهلاكا
فتفرقوا أيدي سبأ
أي بأيديهم وبسببهم تفرقوا في البلاد بعدما كانوا مجتمعين
وهل اكتفوا فقط بالإعراض عن الله ( لا )
ولكنهم مع بطر النعمة تكبروا وأنكروا نعمة أخرى يتمتع بها الآن كثير من الناس وذلك أن الله جعل بين بلدانهم وقراهم مسافات قصيره جدا وآمنه بحيث من يسافر نهارا يدرك قبل الليل مبيته في قرية أخرى بينها قرى ظاهرة لايشعر بخوف الإنقطاع وقيل أن هذه القرى من اليمن للمدينة وقيل من اليمن للشام وقيل بين قرى اليمن
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ ۖ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ )
فكيف قابلوا النعمة
( فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ )
وقيل في قراءة اخرى
بعَّد بين أسفارنا
وفي القرآتين إما يشتكوا الله وقد أعطاهم
وإما سأموا النعمة ولم يشعروا بها فقالوا
يا ربي باعد بين أسفارنا
فتفرقوا وتمزقوا في البلاد بعد تقاربهم
ممايدل على أن التقارب الإجتماعي، والأمان، والطعام، ووجود الأهل، والأمطار..نعم عظيمة تستوجب الشكر كي تدوم
وبها نتمتع ب( تقَاربوا أيدي شكر ) فهيا نعاهد أنفسنا على شكر نعمة الله وترك معاصيه حتى يقرب الله بيننا وبين أسفارنا وأهلنا ونطيعه ونشكره كي مايضرب بنا المثل كقوم سبأ
فبون شاسع بين تفرقوا أيدي سبأ
وتقاربوا أيدي شكر
وفرق بين باعد بين اسفارنا
وبين قرب بين أهلنا وأسفارنا
وهذا مايدل عليه إفتتاح سورة سبأ بحمد الله فمن لايحمد الله ستكون نهايته كقوم سبأ ومن يحمد الله كانت نهايته كداود وسليمان نعيم في الدنيا ورفعة في الآخرة
ولنردد دعاء سليمان عليه السلام
( هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ )
ويكفي قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحمدلله أنها تملأ مابين السماء والأرض
قال الحسن : قال موسى عليه السلام : يا رب كيف يستطيعُ ابن آدم أن يؤدي شكر ما صنعت إليه ؛ خلقته بيدك ، ونفخت فيه من روحك ، وأسكنته جنتك ، وأمرت الملائكة فسجدوا له ؟ فقال : يا موسى عَلِمَ أن ذلك مني ، فَحَمِدَنِي عليه ، فكان ذلك شكرا لما صنعته . رواه هناد في الزهد .
وقال صلى الله عليه وسلم : ما أنعم الله على عبد ، فحمد الله عليها إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة . رواه الطبراني وغيره ، وصححه الألباني
اللهم قرب بين أهلنا وأسفارنا
اللهم بفضلك ألهمنا الشكر
كي نتقرب بفضلك ثم أيدينا من بعضنا
الحمدلله والشكر لله
٣ / ١٠ / ١٤٤١ هجري
.......
فيديو جزء 1
الكاتبة : سناء الشاذلي