بلاء الأنبياء ( ٢ ) نار جعلها ربي رحمة
نستكمل معكم مابدأناه في سورة الأنبياء من عبر وفوائد وصور تربوية وروحانية ، خاصة في مشكلة البلاء ومايمر به المبتلى من مشاعر وأفكار تنقله إلى سلوكيات إما إيجابية أو سلبية ، لذا من أعظم مايميز المبتلى هو النتيجه النهائية لمشكلته سواء إنحلت أم تعقدت ،
وسورة الأنبياء تعطي صورة كاملة للبلاء وللثبات وللإرادة وللقوة وللرضا والإلتجاء إلى الله ..
ونُذكِر أن سورة الأنبياء ذكر فيها عدة أنبياء وذكرنا في الدورة السابقة أنهم ١٤ عشر نبيا وفي مقدمتهم خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ،
ولاشك أنه أعظم بلاء منهم مما يبين أنه لاحياة بلا بلاء حتى مع الأنبياء ، ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)
وأن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم ، أي من هم أقل منهم قوة وصبرا وإيمانا ،
فدعونا نبحر مع بلاء إبراهيم عليه السلام
فقد مر بعدة إبتلاءات في عقيدته ، ونفسه ، وزوجه ، وولده ، وقومه ، وقرابته ،
وسأركز فقط على ماورد في سورة الأنبياء
فمن هو إبراهيم عليه السلام ؟
هو أبو الأنبياء ومن نسله إبناه إسماعيل وإسحاق ،
وإسماعيل أبو العرب ومنه نسب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ،
عاش متنقلا بين الشام ومصر ، وهو من أعلن للملأ أنه مسلما موحدا حنيفا لا يهوديا ولا نصرانيا موصيا ذريته بإتباع الدين الإسلامي الخالص
( ماكان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن حنيفا مسلما)
واستمرت ذريته على منهجه فحفيده يعقوب
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
ومن هذه الذرية موحدا ومشركا
( وَبَٰرَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰٓ إِسْحَٰقَ ۚ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ)
وقال داعيا لله أن يبعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم
(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )
بعد تلك النبذة البسيطة دعونا نتعرف على بلاءه في عقيدته فقد كان بلاءه مع عبدة الكواكب وعبدة الأوثان وهو مذكور في عدة سور أما في سورة الأنبياء فكان مع عبدة الأوثان ، والقرآن يقص علينا بإستمرار عن الأصنام لتعلق القلوب وإضطراب العقول وتصديق المغفلين ، وإلا من يصدق أن زماننا هذا أظهر لنا من يعبد الحجر والبقر لذلك قال( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)
وفي سورة الانبياء مايبين حرصه وشدة كربته وصدق
من سُلك به طريق البلاء ، فقد سلك طريق الأنبياء
فالله يمتدحه ...
( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمين)
هذا الرشد والهداية والتوفيق كمميزات ربانيه استعملها في الخير فقال لقومه مستنكرا عكوفهم المستميت لأصنام لا تنفع ولا تضر
( إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ)
وكانت المفاجأة ( قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ )
حجتهم واهية وهي حجة كل من قلد آباءه ومجتمعه وعاداته وهي على باطل فرد عليهم بحجة دامغه ..
( قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ )
بأنهم على ضلال كما كان آباءهم
فكأنهم بدأو يقتنعون بحجته ويريدون مزيدا من التأكد فقالوا ..
(قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاعِبين)
إذا هم يعرفون الحق لكنهم يردون الحق حسب أهواءهم
فرد بدليل من مخلوقات الله التي تدل أنه لايمكن للأصنام التي تخلقونها أن تخلق السموات والأرض
(قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)
ثم توعد أمام مجموعة معينه أن يُهلك أصنامهم ليتأكدوا أنها لا تنفع نفسها فكيف تنفعهم ..
( وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ )
وبالفعل حطمها وأبقى على كبيرها وجذها جذا قِطعا قطعا صغيرة جدا
(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)
وهاهم القوم قد عادوا لأصنامهم يعبدونها ليتفاجأوا بفناءها ..
(قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ )
وبما أن هناك من سمعه قالوا لهم
(قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)
فتى صغير لكنه بإيمانه عند الله أمة بأكملها فتى صغير يواجه أمة من الكفر فتى صغير الجسم لكنه كبير الإيمان كانوا يقولون الفتى إبراهيم تصغيرا له فرفعه الله
والطغاة لا يهمهم فتى أو كهلا أو شاا أو إمرأة لذا قالوا ..
( قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ )
اختاروا أن يحاكموه أمام الناس ليس حبا بالعدل ولكن اغترارا بالجهل ، فظنوا أنهم سيتنصرون عليه
وبدأت المحاكمة ..
(قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)
بداية المحاكمة هشه ضعيفة فكيف يعقل أن يحاكم فتى على آلهة لم تدافع عن نفسها ،
فجاء الرد من الفتى ..
( قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ)
هذا الفتى أراد أن يبين لهم أن كبير الآلهة موجود فإن كان يسمع أو ينفع أو يدفع سيرد عليكم ..
وياللهول كبير الآلهة لا يرد فكأن القوم استدركوا سوء فعلهم وصغر عقلهم
(فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ )
ولكن الكبر والغرور والتعلق بالموروث الإجتماعي للآباء صرفهم بين دقيقة وثانية عن الحق فنُكِسُوا على رؤسهم كالشيئ المقلوب لانهم قلبوا الحقائق ولم يستعملوا رؤسهم وعقولهم فانقلبت عليهم
(ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ)
اذا لماذا تعبدون مالا ينطق؟
والفتى القوي الجريئ في الحق قال
( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ )
( أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )
وبدأ البلاء في عقيدته ليساومه على تركها ليساومه على تغير أفكاره فاتفقوا على اضطرام النار في حفرة عميقة ليحرقوه وينهوا دعوته
( حرقوه وانصروا آلهتكم)
يحرقون بشرا من أجل حجر
(قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)
وجاء الفرج على المكروب المبتلى من صاحب القوة والعزة والجبروت
( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ )...
نعم بردا لاتُهلكه وسلاما لا تُحرقه
وانقلبت النار من نار كُربة الى نار رحمَة
من نار همٍ وغمٍ وشدة إلى نار فرح وفرج ورفعة
وكلما كان البلاء شديدا عسيرا كلما كان الفرج يسيرا وصَاحَبَه فرحاً وتبشيراً
فبعد أن أنقذه الله من النار وهاجر .. ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين )
وجزاء لصبره واحتسابه بشره الله بالذرية بعد كبر سنه وعقم زوجته ونجى لوطا ابن أخيه معه
(وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِين وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ )
أيها المبتلى اعبد الله كإبراهيم ليفرج الله كربتك
أيها المبتلى أتدري لما فرج الله عن إبراهيم عليه السلام؟ لأنه كان عابدا خاشعا
كن عابداخاشعا متوكلا محتسبا وسترى كيف يفرج كربتك ويعطيك معها البشارة والهداية والتوفيق لعمل الصالحات
(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)
سنبحر قريبا مع نبيا آخر وابتلاء آخر فكونوا معنا
٢٨ / ٣ / ١٤٤٢ هجري
المدربة الأستاذة :
سناء الشاذلي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملاحظة : سيتم النشر عند الموافقة على التعليق