آية جثا منها الصحابة على الركب خوفا ( كل إثنين آية )



آية جثا منها الصحابة على الركب خوفا ( كل إثنين آية )

مقارنة بسيطة بين أعمالنا وأعمال السابقين وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم، ومقارنة بسيطه بين معاصينا وقلة محاسبتنا، وطاعتهم وشدة محاسبتهم لأنفسهم،  ندرك الفرق الشاسع بين الخوف من الوقوف بين يد الله وبين قلة أو عدم الخوف واللامبالاة من الوقوف بين يد الله ،
 فالصحابة والسلف يخافون يوما يقوم الناس فيه  لرب العالمين، ثم خلف من بعدهم خلف لم يحسبوا حسابا للوقوف لرب العالمين إلا من رحم الله..

فنجد من يسرق،يظلم، يرتشي، يغتاب ،يحرش، يخون، ثم لايُبالِي بل وبكل وقاحه يُعلن أنه مظلوم ويدعي ظلما على غيره ويطغى !!!



أما الصحابة ومن سار على دربهم فتأمل ماذا فعلوا وماذا قالوا  حين سمعوا هذه الآية :

( لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

عن أبي هريرة لما نزلت الآية أشتد ذلك على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب، أي جلسوا على ركبهم، وقالوا:  يارسول آلله، كلفنا من الأعمال مانطيق، الصلاة والصيام والجهاد والصدقه وقد أنزلت عليك هذه الآية ولانطيقها ( أي لا نستطيعها ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم، سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا،  غفرانك ربنا وإليك المصير فلما أقر بها القوم وذلت بها ألسنتهم أنزل الله في إثرها ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ...) فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل الله( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا...)

   وعن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، قال : فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قولوا سمعنا وأطعنا وسلمْنَا " . فألقى الله الإيمان في قلوبهم ، فأنزل الله . (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) إلى قوله : (  فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )
وهكذا رواه مسلم ، 

 عن وكيع ،  وزاد : ( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) قال : قد فعلت ( رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا) قال : قد فعلت ، ( رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) قال : قد فعلت ( وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا ) قال : قد فعلت .

وعن ابن عباس :  عن مجاهد ، قال : دخلت على ابن عباس فقلت : يا أبا عباس ، كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى . قال : أية آية ؟ قلت : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ) قال ابن عباس ، إن هذه الآية حين أُنزلت غمت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غما شديدا ، وغاظتهم غيظا شديدا  ، وقالوا : يا رسول الله ، هُلكنا ، إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل ، فأما قلوبنا فليست بأيدينا ، فقال لهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " قولوا : سمعنا وأطعنا " . قالوا : سمعنا وأطعنا . قال : فنسختها هذه الآية : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ ) إلى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) فتجَوز لهم عن حديث النفس، وأُخذوا بالأعمال .

عن سعيد بن مرجانة ، سمعه يحدث أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر تلا هذه الآية : (  لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ) الآية . فقال : والله لئن واخَذنَا الله بهذا لنُهلكَن ، ثم بكى ابن عمر حتى سمع نشِيجُه . قال ابن مرجانة : فقمت حتى أتيت ابن عباس ، فذكرت له ما قال ابن عمر ، وما فعل حين تلاها ، فقال عبد الله بن عباس : يغفر الله لأبي عبد الرحمن . لعمري لقد وجد المسلمون منها حين أنزلت مثل ما وجد عبد الله بن عمر ، فأنزل الله بعدها : (  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) إلى آخر السورة ، قال ابن عباس : فكانت هذه الوسوسة مما لا طاقة للمسلمين بها ، وصار الأمر إلى أن قضى الله ، عز وجل ، أن للنفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت في القول والفعل .

وعن الزهري ، عن سالم : أن أباه قرأ : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) فدمعت عيناه ، فبلغ صنيعه ابن عباس ، فقال : يرحم الله أبا عبد الرحمن ، لقد صنع كما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت ، فنسختها الآية التي بعدها : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا  ) فهذه طرق صحيحة عن ابن عباس

وهذه الآيه وإن كانت تدل على المحاسبة إلا أنها ليس شرطا أن تدل على المعاقبه بدليل قوله يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء 
ولكنها تدل أيضا على أهمية محاسبة النفس على الخير والشر ودلت الاحاديث على رحمة الله 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله :
(( إذا هم عبدي بسيئه فلا تكتبوها عليه فإن عملها  فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا )) . لفظ مسلم

وقال  صلى الله عليه وسلم  : " قال الله (( إذا هم عبدي بحسنة ولم يعملها كتبتها له حسنة ، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، وإذا هم بسيئة فلم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة )) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا أحسن أحد إسلامه ، فكل حسنة يعملها تُكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل )) .
تفرد به مسلم

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى قال : " إن الله كتب الحسنات والسيئات ، ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة " وفي رواية " ومحاها الله ، ولا يَهلك على الله إلا هالك " .




ومن رحمة الله أن الوسوسة لاتدخل في ذلك...

عن أبي هريرة قال : جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به . قال : " وقد وجدتموه ؟ " قالوا : نعم . قال : " ذاك صريح الإيمان " .

  وعن عبد الله ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة ، قال : " تلك صريح الإيمان " .

وللمفسرين أقوال في الآية هل هي منسوخه بغيرها أم محكمة؟ أي هل أحاسب على أفعالي وأقوالي وخواطري ونواياي؟ وهل الآية نسخت أي رفع حكمها أم محكمة أي باقي لفظها وحكمها؟

⬔ فقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : (وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) فإنها لم تنسخ ، ولكن الله إذا جمع الخلائق يوم القيامة يقول : إني أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم ، مما لم يطلع عليه ملائكتي ، فأما المؤمنون فيخبرهم ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم ، وهو قوله : (  يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) يقول : يخبركم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله : ( يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ) وهو قوله : ( وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) أي : من الشك والنفاق .

⬔ وعن الحسن البصري أنه قال : هي محكمة لم تنسخ . كما قال ابن عباس رضي الله عنه 

⬔ واختار ابن جرير ذلك ، واحتج على أنه لا يلزم من المحاسبة المعاقبة ، وأنه تعالى قد يحاسب ويغفر ، وقد يحاسب ويعاقب 

⬔ وعن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : بينما نحن نطوف بالبيت مع عبد الله بن عمر ، وهو يطوف ، إذ عُرض له رجل فقال : يا ابن عمر ، ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى ؟ فقال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يدنو المؤمن من ربه ، عز وجل ، حتى يضع عليه كنفه ، فيقرره بذنوبه فيقول : هل تعرف كذا ؟ فيقول : رب أعرف مرتين حتى إذا بلغ به ما شاء الله أن يبلغ قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم " . قال : " فيعطى صحيفة حسناته أو كتابه بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الأشهاد : (  هَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [ هود : 18 ] والمعنى أن مناجاة الإنسان لنفسه وماتنطوي من خواطر أيضا يحاسب عليها وإن كانت يسيره فكيف بمن انطوت نفسه على الخبائث؟ / إلى هنا تفسير ابن كثير بتصرف




وأنتقل بكم لتفسير القرطبي رحمه الله..

حيث بين أن للعلماء في قوله ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ) خمسة أقوال ثم بين الراجح منها : 


( الأول ) أنها منسوخة ، قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وموسى بن عبيدة وجماعة من الصحابة والتابعين ، وأنه بقي هذا التكليف حولا حتى أنزل الله الفرج بقوله ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )  وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال : لما نزلت ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) قال : دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولوا سمعنا وأطعنا وسلَمنا قال : فألقى الله الإيمان في قلوبهم فأنزل الله تعالى : لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قال : ( قد فعلت ) رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا قال : ( قد فعلت ) رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قال : ( قد فعلت ) : في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها الله ثم أنزل تعالى :  لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ
( الثاني ) قال ابن عباس وعكرمة والشعبي ومجاهد : إنها محكمة مخصوصة ، وهي في معنى الشهادة التي نهى عن كتمها ، ثم أعلم في هذه الآية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب .

( الثالث ) أن الآية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين ، وقاله مجاهد أيضا .

( الرابع ) أنها محكمة عامة غير منسوخة ، والله محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم يعملوه مما ثبت في نفوسهم وأضمروه ونووه وأرادوه ، فيغفر للمؤمنين ويأخذ به أهل الكفر والنفاق ، ذكره الطبري عن قوم ، 

وروي عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال لم تنسخ ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول : ( إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم ) فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم ، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوه من التكذيب ، فذلك قوله ( يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ) وهو قوله عز وجل ( وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) من الشك والنفاق 

وقال الضحاك : يُعلمه الله يوم القيامة بما كان يسره ليعلم أنه لم يخف عليه . وذكروا  : ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة هذا يوم تبلى فيه السرائر وتخرج الضمائر وأن كتابي لم يكتبوا إلا ما ظهر من أعمالكم وأنا المطلع على ما لم يطلعوا عليه ولم يخبروه ولا كتبوه فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه فأغفر لمن أشاء وأعذب من أشاء ) فيغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين ، وهذا أصح ما في الباب ، 

وإن قيل  ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله ( إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به ) فإنا نقول : ذلك محمول على أحكام الدنيا ، مثل الطلاق والعتاق والبيع التي لا يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ، والذي ذكر في الآية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين الله تعالى في الآخرة .

وقال الحسن : الآية محكمة ليست بمنسوخة  وقال آخرون  : إن العذاب الذي يكون جزاء لما خطر في النفوس وصحِبهُ الفكر إنما هو بمصائب الدنيا وآلامها وسائر مكارهها .

ورجح الطبري أن الآية محكمة غير منسوخة : قال ابن عطية : وهذا هو الصواب ، وذلك أن قوله تعالى : ( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ ) معناه مما هو في وسعكم وتحت كسبكم ، وذلك استصحاب المعتقد والفكر ، فلما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم ، فبين الله لهم ما أراد بالآية الأخرى ، وخصصها ونص على حكمه أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها ، والخواطر ليست هي ولا دفعها في الوسع ، بل هي أمر غالب وليست مما يُكتسَب ، فكان في هذا البيان فرجهم وكشف كربهم ، وباقي الآية محكمة لا نسخ فيها 

ومما يدفع أمر النسخ أن الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ،

فإن ذهب ذاهب إلى تقدير النسخ  فماذا لحق الصحابة حين فزعوا من الآية ، وذلك أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم : ( قولوا سمعنا وأطعنا ) فثبتوا . وقيل : في الكلام إضمار وتقييد ، تقديره يحاسبكم به الله إن شاء ، وعلى هذا فلا نسخ .

ومن أحسن ما قيل في الآية - - قول ابن عباس : إنها عامة كما في حديث ( يٌدنى المؤمن يوم القيامة من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه ؛ فيقول : هل تعرف ؟ فيقول : أي رب أعرف ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطى صحيفة حسناته...




ومن أعظم فوائد الآية :

🔹 محاسبة النفس 

🔹 الخوف من دسائس النفس وتذكيرها ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ )

🔹 أن مافي الصدور أحاسب عليه إن كان بنية إصرار وجزم وعزيمة على الفعل بدليل أن الإنسان يحاسب على الحقد والحسد والمكر وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ )

🔹 أن من يدافع خطرات نفسه ويجاهد لتخليصها من الإثم لايحاسب عليها( رفع عن أمتي ما حدثت بها نفسها )

🔹 أن الإخلاص والرياء منبعهما النفس وعليهما يترتب الثواب والعقاب 

🔹 أن الله يعلم السرائر والظواهر والخواطر فالنطهر قلوبنا لأنها  موضع نظر الرب ( يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ )




***

فاللهم نسئلك قلبا سليما ولسانا مستقيما ومرورا على الصراط سريعا

١٤٤١/١١/٢٣

_______


 الكاتبة : سناء الشاذلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملاحظة : سيتم النشر عند الموافقة على التعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونةسناء الشاذلي2017